رجوع إلى صفحة النتائج

جواب رئيس الحكومةعن السؤال المتعلق بالهجرة والتنقل بمجلس المستشارين

تاريخ النشر : 30/04/2014
نوع الوثيقة : استجوابات / خطب
الموضوع : خطب واستجوابات رسمية
التغطية : Maroc

ملخص/فهرس :

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم، السيدات والسادة المستشارين المحترمين،

بداية، أتوجه بالشكر إلى أعضاء مجلسكم الموقر على اختيار هذا الموضوع الذي يكتسي راهنية كبيرة وأهمية بالغة في سياق دولي تطبعه ظرفية الأزمة الاقتصادية وسياق جهوي وإفريقي يتميز بعدم الاستقرار، وهي كلها عوامل تدفع الكثير من الأفراد إلى الهجرة واللجوء، بحثا عن آفاق أرحم.

وكما تعلمون، فإن الهجرة والتنقل أصبحتا ظاهرة عالمية وموضوع نقاش وانشغال كبيرين، بل ومصدر جدال كبير يتم توظيفه سياسيا وانتخابيا في الكثير من الدول. وبالأرقام، قدر عدد المهاجرين عبر العالم سنة 2012 مثلا بنحو 240 مليون شخصا، منهم 97 مليون مهاجر من الجنوب إلى الشمال و 74 مليون من الجنوب إلى الجنوب.

ورغم أن بلادنا كانت على مر التاريخ أرض هجرة بامتياز، فقد شهدت خلال العقدين الأخيرين تحولات على مستوى التدفقات البشرية، جعلت من المغرب اليوم، ليس فقط دولة مصدرة للهجرة نحو الخارج، وإنما كذلك دولة عبور وأرضا للاستقبال والإقامة.

فقد أصبح يستضيف عددا مهما من المهاجرين النظاميين الذين يقصدون المملكة للعمل أو الدراسة أو لقضاء تقاعدهم (حوالي 70 ألف)، وآخرون يوجدون في وضعية غير نظامية فرضت عليهم أوضاعهم المكوث بالمغرب لسنوات عديدة (ما بين 25 و 30 ألف)، بالإضافة إلى اللاجئين (530 فردا) وطالبي اللجوء (3 آلاف وفق تقديرات مكتب الأمم المتحدة للاجئين). كما أن عدد المهاجرين من دول جنوب الصحراء تضاعف أربع مرات خلال العقد الأخير.

ولاشك أن الدينامية المتسارعة التي تشهدها بلادنا على المستوى الديمقراطي والحقوقي والتنموي من جهة، وسن دول الشمال لسياسات متشددة في مجال الهجرة وتوقيع المغرب والاتحاد الأوروبي في يونيو 2013 للإعلان السياسي المشترك حول الشراكة من أجل التنقل، هي عوامل شجعت على تحول المغرب إلى بلد إقامة.

وحسب التقرير الأخير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول الهجرة واللجوء، فإن هذا الوضع سيجعل بلادنا، بشكل تدريجي تنخرط في نادي الدول المستقبلة للمهاجرين وتدخل خانة الدول المعنية بظاهرة التنقلات البشرية.

بيد أنه اعتبارا لما يتطلبه استقبال المهاجرين من إمكانات لتوفير الظروف الملائمة لإقامتهم وتمكين المقيمين منهم بطريقة شرعية من فرص الشغل، وأسباب الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، وشروط العيش الكريم، فإن المغرب لا يمكنه عمليا استقبال جميع المهاجرين الوافدين عليه.

وفي هذا السياق، دعا جلالة الملك حفظه الله إلى بلورة سياسة شاملة جديدة لقضايا الهجرة واللجوء ببلادنا، وهو ما استجابت له الحكومة عن طريق اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير.

السيد الرئيس،

لقد بادرت السلطات العمومية منذ بداية الألفية الثالثة باتخاذ عدة تدابير في مجال تدبير الهجرة، لكنها تحتاج إلى رؤية استشرافية وشمولية، وإلى التكيف مع التغيرات المتسارعة والمتلاحقة التي تعرفها هجرة الأجانب ببلادنا على المستويات الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.

وإذا كانت هذه التدابير قد مكنت من تحقيق مجموعة من التراكمات التشريعية والمؤسساتية والتدبيرية في مجال تدبير شؤون الهجرة، فإن دستور 2011 سجل خطوة نوعية في هذا الموضوع بالتنصيص في ديباجته على »تمتع الأجانب بالحريات الأساسية المعترف بها للمواطنين والمواطنات المغاربة، وفق القانون« ، وحَظَر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان.

ورغم ذلك، فإن نواقص لازالت تعتري تعامل بلادنا مع هذه الإشكالية، وقد رصدها، كما هو معلوم، تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان السالف ذكره.

وبعد اطلاع جلالة الملك على مضامين هذا التقرير، ترأس جلالته جلسة عمل يوم 10 شتنبر 2013، خصصت لتدارس مختلف الجوانب المرتبطة بإشكالية الهجرة، وأصدر حفظه الله توجيهاته السامية للحكومة "للإسراع بوضع وتفعيل إستراتيجية ومخطط عمل ملائمين، والتنسيق في هذا الشأن مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومختلف الفاعلين المعنيين، بهدف بلورة سياسة شاملة ومتعددة الأبعاد لقضايا الهجرة ببلادنا، بما من شأنه أن يوفر للمغرب قوة اقتراحية حقيقية في هذا المجال ويمكنه من القيام بدور ريادي وفعال على الصعيدين الجهوي والدولي".

وبناء على ذلك، عقدت لجنة وزارية، بتاريخ 11 شتنبر 2013، اجتماعا لتدارس مختلف الجوانب المرتبطة بإشكالية الهجرة وتنفيذ التوجيهات الملكية بهذا الخصوص.

وبتاريخ 10 أكتوبر 2013 تم، لأول مرة، إحداث قطاع يختص بشؤون الهجرة أسند للوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج.

كما جدد جلالة الملك بتاريخ 06 نونبر 2013، في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الثامنة والثلاثين للمسيرة الخضراء، دعوة الحكومة إلى "وضع سياسة شاملة حول قضايا الهجرة واللاجئين، وفق مقاربة إنسانية تتوافق مع الالتزامات الدولية للمغرب وتحترم حقوق المهاجرين".

وقد سارعت الحكومة بناء على ذلك إلى وضع أسس ومرتكزات السياسة الجديدة للهجرة والتي يمكن تلخيصها كما يلي:

تسوية الوضعية القانونية لطالبي اللجوء والمهاجرين الذين يستجيبون لشروط معينة،

تأهيل الإطار القانوني المتعلق بالهجرة واللجوء،

بلورة وتنفيذ استراتيجية لإدماج المهاجرين واللاجئين تجعل من المهاجر عنصرا لإغناء المجتمع وعاملا لتحريك التنمية،

والتصدي بحزم لشبكات الاتجار في البشر.

تسوية وضعية طالبي اللجوء والمهاجرين في وضعية غير نظامية:

لقد تم في هذا الصدد فتح مكتب اللاجئين وعديمي الجنسية، الذي درس ملفات 850 شخصا حاملا لبطاقة لاجئ، المسلمة لهم من مكتب المفوضية السامية للاجئين. وقد عمل هذا المكتب منذ 24 دجنبر 2013 على تسوية وضعية 530 فردا فيما الأشخاص الآخرون غادروا المغرب نحو دول أخرى أو نحو دولهم الأصلية بعدما عرفت عودة الاستقرار والأمن إليها. وتم رفض ثلاث طلبات لكونها تهم أطفالا منحدرين من أم مغربية وبالتالي فهم مغاربة.

كما أطلقت الحكومة فعليا بتاريخ 2 يناير 2014 عملية التسوية الاستثنائية للمهاجرين في وضعية غير نظامية تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية في هذا الشأن. وقد تم إصدار دورية تؤطر عملية التسوية الاستثنائية لوضعية المهاجرين غير النظاميين.

ومن أجل ذلك، تم فتح 83 مكتبا للأجانب على مستوى عمالات وأقاليم المملكة، وتم اعتماد نظام معلوماتي لتدبير العملية وإطلاق حملات للتحسيس والإخبار، وتم كذلك تكوين 3000 عنصرا لمواكبة هذه العملية التي ستستمر إلى نهاية السنة الحالية، وتم إشراك المجتمع المدني بعضوين في كل مكتب للأجانب باقتراح من المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

ولغاية اليوم فقد تلقت هذه المكاتب 14311 طلبا، من 92 جنسية تشمل كل القارات. وقد تم تسليم أولى بطائق الإقامة للمهاجرين الذين تم قبول طلباتهم يوم 14 فبراير 2014، وحصل إلى غاية اليوم 814 شخصا على بطائق الإقامة مدة صلاحيتها سنة.

تأهيل الإطار القانوني المؤطر للهجرة واللجوء

تم إحداث لجنة بين- قطاعية مهمتها اقتراح المشاريع اللازمة لتطوير وتأهيل الإطار القانوني للهجرة واللجوء والاتجار في البشر بتحضير ثلاثة مشاريع قوانين أساسية، وهي مشروع القانون الخاص باللجوء ومشروع القانون حول مكافحة الاتجار بالبشر وحماية ومساعدة ضحاياه، ومشروع القانون الخاص بالهجرة. كما سيتم تعديل قوانين أخرى، تماشيا مع التوصيات الواردة في التقرير السالف ذكره.

ولإعداد هذه النصوص، تم اعتماد إطار مرجعي يستحضر بالإضافة إلى التوجيهات الملكية وأحكام الدستور وتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المرجعية الدولية، وخاصة القانون الدولي لحقوق الإنسان والآليات الإقليمية والاتفاقية الأوروبية واجتهادات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والتشريعات المقارنة، بالإضافة إلى الممارسات الفضلى، سواء في دول الشمال أو في دول الجنوب.

إدماج المهاجرين واللاجئين اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا

يعتبر اندماج المهاجرين من التحديات الأساسية التي تواجهها دول الاستقبال، ويشكل أحد الانشغالات الجوهرية لسياساتها في مجال الهجرة. وقد اجتهدت هذه الدول لإيجاد سياسات ملائمة تساعد المهاجرين على الاندماج داخل مجتمعاتها. وقد اختارت بلادنا تبني نموذج يتماشى مع خصوصيات ومقومات مجتمعنا الغني بالتنوع ويقوم على التلاقح الثقافي والتفاعل بين مختلف الحضارات والديانات، وينبني على اعتبار المهاجر عنصرا إيجابيا لإغناء مجتمعنا وعاملا مساهما في التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثراء الوطني لبلدنا.

وعلى هذا الأساس، شرعت الحكومة، منذ شهر أكتوبر من السنة الماضية، بتعاون مع مختلف الفاعلين الخواص والمجتمع المدني في بلورة مخطط أولي للاندماج يمكن تحديد أهم مفاتيحه الأساسية فيما يلي:

ضمان تمتع المهاجرين وأفراد أسرهم بالحقوق الأساسية وحمايتهم من شتى أشكال التمييز، وتحقيق المساواة في الفرص؛

تمكين المهاجر من الإلمام بثقافة ولغات المغرب، مع العمل على مساعدته على المحافظة على هويته الأصلية بمختلف مكوناتها؛

إدماج المهاجرين في وضعية قانونية في سوق الشغل؛

توفير الظروف المناسبة لضمان نجاح الأجيال الناشئة للمهاجرين في مسارهم الدراسي.

وقد تم تمكين أطفال المهاجرين من التسجيل في المدارس العمومية بغض النظر عن الوضعية القانونية لآبائهم، وتم إطلاق طلب مشاريع موجهة للجمعيات التي تعمل في مجال التربية غير النظامية من أجل تلقين اللغات والثقافة المغربية للمهاجرين واللاجئين وتنظيم دروس للدعم والتقوية للأطفال من أبناء المهاجرين واللاجئين.

التصدي بحزم لشبكات الاتجار في البشر

وضعت السلطات المعنية خطة أمنية وطنية طموحة في مجال محاربة شبكات الإتجار في البشر التي أصبحت تأخذ أشكالا جديدة من حيث التنظيم والعلاقات مع الشبكات الإجرامية الدولية الأخرى التي تتاجر في المخدرات والأسلحة. وترتكز هذه الخطة على ما يلي:

الحد من أنشطة هذه الشبكات خصوصا التي تنشط عبر الحدود الجزائرية في اتجاه المغرب، التي تشهد 92 % من محاولات تسرب المهاجرين،

تقوية مراقبة الشواطئ للحد من أنشطة شبكات تهجير المهاجرين غير الشرعيين. وقد تم تسجيل انخفاض مهم في عدد القوارب التي تصل إلى الضفة الأخرى.

مراقبة الغابات وبعض الأماكن التي يتخذها المهاجرون غير الشرعيين كمأوى لهم، حيث تم خلال الأشهر الثلاث الأولى من سنة 2014، إيقاف 9170 شخص في عمليات الهجرة غير الشرعية.

استباق أنشطة الشبكات الإجرامية وتشديد الخناق عليها وإنقاذ الضحايا من هذه الشبكات. وللإشارة فقد تم تفكيك 1174 شبكة منذ سنة 2007.

تشجيع الرجوع الطوعي للمهاجرين في وضعية غير قانونية، بتعاون مع الهيئات الدبلوماسية لبلدانهم، وذلك في ظروف تحترم حقوقهم وكرامتهم، بانتشالهم من مافيا الهجرة السرية وضمان العودة لبلدانهم في ظروف آمنة. وقد تم ترحيل أكثر من 14.700 مهاجرا طواعية إلى بلدانهم الأصلية منذ سنة 2004.

السيد الرئيس،

ختاما، ينبغي التأكيد على أن السياسة الجديدة للهجرة واللجوء التي تبناها المغرب بمبادرة وتوجيه من جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، تنخرط في عمق التحولات الشاملة التي تعرفها بلادنا.

وهذه السياسة هي تعبير عن مشروع مجتمعي متطور يراكم الإصلاحات ويعزز المسار الديمقراطي، كما أنها في نفس الوقت تتويج للالتزامات الدولية للمملكة المتعلقة أساسا بحقوق اللاجئين والمهاجرين وأفراد أسرهم، والتي أكسبت بلادنا مزيدا من الإشعاع والمصداقية في المنتديات الجهوية والدولية ولدى الدول الصديقة.

إن دخول المغرب نادي دول الاستقبال هو توجه طبيعي يأتي في سياق تطور المغرب. كما أنه يستدعي وضع نموذج متميز للهجرة، ينهل من قيمنا وحضارتنا العريقة، دون إغفال الاستفادة من النماذج الناجحة عالميا.

إن ربح هذا الرهان يتوقف على مدى مساهمة مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأحزاب السياسية والمواطنين في تنزيل هذه السياسة على أرض الواقع وحمايتها من كل ما يمكن أن يشوش على بعدها ومهمتها النبيلة والإنسانية والتضامنية. ولا يفوتني التأكيد على ما لمجلسكم الموقر ومجلس النواب من دور هام في كسب الرهان التشريعي الذي يعد محورا مركزيا في السياسة الوطنية للهجرة واللجوء.

إن الحكومة ملتزمة بتعبئة مختلف الوسائل لإنجاح هذا الورش الجديد، وفق منظور ومقاربة شمولية مندمجة، لإدماج اللاجئين والمهاجرين وأفراد أسرهم والمحافظة على هويتهم وإشراكهم اقتصاديا واجتماعيا وتمكينهم من المساهمة في تطوير العلاقات المنتجة والتقريب بين الشعوب والثقافات والحضارات.

كما سنعمل على توسيع نطاق الشراكة والتعاون مع الفاعلين الوطنيين والدوليين المعنيين من أجل تدبير عقلاني و شمولي لمسلسل الهجرة والتنقل في كافة مراحله ومختلف أبعاده.

ومما لاشك فيه أن بلوغ هذا النموذج رهين بما يلي:

التحلي بالمسؤولية المشتركة بين الأطراف المعنية، بلدان المنشأ والعبور والاستقبال، وكذلك المهاجرين الذين يجب التوفيق بين حقوقهم في مجال التنمية والكرامة الإنسانية وواجباتهم اتجاه البلد المستقبل؛

التأسيس لشراكة متعددة الأطراف بشكل فعال من خلال التزام مختلف الأطراف، لتحقيق تدبير ناجع ومسؤول لقضايا الهجرة بشكل جماعي ومشترك؛

العمل على تحقيق التنمية من خلال الإعمال الفعلي والصادق لثنائية الهجرة والتنمية.

والله ولي التوفيق، والسلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته.

ترجمة المقتطف إلى :
بحث

بحث

بحث متقدم
Navigation par

التصفح ب :

تدقيق البحث

* إختر المجال

إختر الموضوع الرئيسي

إختر الموضوع الجزئي

إختر الموضوع الفرعي

*أجباري
البحث في "أبحثو" على جوجل :